حين نستعيد سرد الأندية الجزائرية المتوجة بكأس الجزائر، يستوقفنا فريقه اسمه ديناميكية بناء العاصمة (DNC)، المتوج بكاس 1982 أمام النصرية ووصيف عام 1984 أمام مولودية وهران، ترى أين هو هذا الفريق الذي كان يلقب في عز ايامه ببرازيل الجزائر؟
ديناميكية البناء أو جيل هندسة الجزائر أو اتحاد البناء، تعددت الأسماء والاسم واحد، الفريق الذي كان يلقب ببرازيل الجزائر، لكن في غفلة من الجميع، تعرض الفريق إلى زلزال عنيف بل إلى تسونامي “السياسة” قضى على الفريق إلى الأبد، فتحول إلى ماضي تليد، الكثير من جيل اليوم يجهل أن في تاريخ كرة القدم الجزائرية كان هناك فريق اسمه ديناميكية بناء الجزائر DNC، لكن هانحن عبر هاته النافذة التاريخية نعيد سرد حكاية هذا الفريق من التأسيس إلى الاختفاء، ولنبدأ من حيث تأسس فريق الديناميكية (DNC).
حكاية تأسس فريق الديناميكية
يعود ميلاد فريق ديناميكية بناء الجزائر، إلى سنة 1965، بفضل الممارسة الرياضية التي كانت منتشرة داخل مؤسسة dnc، والتي كانت تحت وصاية وزارة الدفاع الوطني.
الهدف من انشاء فريق الديناميكية
الهدف من انشاء فريق ديناميكية هو تمكين الطبقة العاملة من ممارسة الرياضة في إطار منظم، ووضع برنامج، عمل لهذا الغرض، من قبل لجنة مسيرة كان على رأسها العقيد عبد المجيد اوشيش بصفته مديرا مركزيا للديناميكية ورئيس فرع كرة القدم، ووفرت كل الوسائل ى الضرورية لإنجاح هذه العملية النبيلة، فوجود عدد هائل من العمال المؤهلين لممارسة الرياضة في مختلف أنواعها مكن من انتشار رياضات أخرى إلى جانب رياضة كرة القدم وبالتالي لعددت الممارسة الرياضية ونمت بسرعة بفضل المهرجانات والدورات الرياضية المنظمة مابين الوحدات الإنتاجية للمؤسسة بحيث أخذت هذه التظاهرات الرياضية طابع التنافس.
وعليه كانت إدارة وحدات المؤسسة تسمح لعمالها بإجراء التدريبات مرتين في الأسبوع من الساعة منتصف النهار إلى الثانية بعد الزوال.
أسماء ساهمت في إنجاح في فريق الديناميكية
ساهمت العديد من الأسماء البارزة في إنجاح فريق الديناميكية ومن بين هؤلاء نخص بالذكر كل عبد المجيد اوشيش ومحمد زروقي ومحمد باباضي، وراح لعليلي والمرحوم بلامين، حيث لعب هؤلاء دورا كبيرا في إنجاح هذه المهمة.
في سنة 1966، تم تكوين فريق كرة القدم يشارك فيه احسن العناصر التي أظهرت قدرات في مختلف المنافسات التي كانت تقام مابين الوحدات الإنتاجية.
وفي نفس السنة أي في عام 1966، انظم فريق الديناميكية إلى البطولة التي كانت تشرف عليها رابطة الرياضة والعمل فوضعت لهذا الغرض ساحات للعب خاصة بالمباريات الرسمية والتدريبات.
1969… بداية حصاد الديناميكية
في موسم 1968/1969، في هذا الموسم صعد الفريق إلى القسم الأول لرابطة الجزائر، بعدها بثلاث مواسم صعد الفريق إلى القسم الشرفي.
1972 … الصعود إلى القسم الجهوي
وفي هذا القسم لم يبقى فريق الديناميكية سوى موسمين فقط، حيث مكنته النتائج الايجابية من الصعود إلى القسم الجهوي، بعدها بموسمين صعد إلى القسم الوطني الثاني، وكانت هاته الانجازات المحققة في ظرف قصير جدا دفعت بالمسئولين واللاعبين على إعطاء أكثر فأكثر من اجل الوصول إلى القسم الوطني الأول
1977 الصعود إلى القسم الوطني الأول
وكما كان منتظرا، لام يدم بقاء فريق الديناميكية في القسم الجهوي والثاني إلى ثلاث مواسم فقط، حيث تمكن قفي موسم 1976/1977 من الصعود إلى القسم الوطني الأول، وكان لوصول فريق الديناميكية إلى القسم الوطني الأول الركيزة والدعامة في إعادة تنظيم كرة القدم في بلادنا في نهاية السبعينيات ، وهذا بوضع اندية القسم الوطني الأول تحت رعاية اكبر المؤسسات الوطنية.
تم دمج فريق الديناميكية خلال فترة الإصلاح الرياضي تحت وصاية شركة dnc على غرار فريق نصر حسين داي الذي وضع تحت وصاية شركة الملاحة البحرية، ومولودية وهران والجزائر ووفاق سطيف تحت رعاية شركة سوناطراك، وفريق شبيبة القبائل تحت وصاية الشركة الوطنية للإليكترونيك والكهرومنزلية، وشباب بلوزداد تحت رعاية الشركة الجزائرية للصناعة السيارات ورائد القبة تحت رعاية شركة الحديد والصلب واتحاد العاصمة تحت رعاية شركة الكهرباء والغاز واتحاد الحراش تحت رعاية الشركة الجزائرية للمناجم.
نجوم من ذهب لفريق من ذهب
واصل فريق ديناميكية البناء فرض وجوده في قسم الكبار، وهذا بلاعبين سحروا الجماهير الجزائرية بأدائهم الفني الراقي، يقودهم كل من حميد بن بوثلجة ومحمد خلوفي وجنادي واولمان وعبد القادر حر والحارس سعدود وغيرهم من اللاعبين الكبار الذي صنعوا مجد الديناميكية خلال عشرية الثمانينيات.
لم يكتف مسيرو فريق الديناميكية الذي كان على رأسهم احد الضباط الساميين في هرم الدولة بأبناء الفريق الذين ترعرعوا بين أحضانهم بل راحوا يستقدمون لاعبين كبار، حيث لعب للفريق كل من علي بن شيخ وشعبان مرزقان ومحمود قندوز، والحارس عبد الرزاق حرب، وجميع هؤلاء كانوا ضمن المنتخب الوطني لكرة القدم.
لكن حتى وان فشلت سياسة الاستقدمات إلا أن الفريق لم يفشل في السياسة التي كانت منتهجة بداخله، حيث واصل تألقه إلى ان تمكن من الصعود إلى منصة التتويج بكاس الجزائر.
خمسة مواسم لا تنسى من مسيرة الديناميكية
تعد المواسم الممتدة من عام 1979 إلى 1984 راسخة في مسيرة الديناميكية، فحتى وان تغيرت تسميته في عام 1983 إلى جيل الهندسة، إلا أن ذلك لم يغير شيئا من قوة الفريق، حيث حافظ على تماسكه.
في عام 1979 حرم فريق الديناميكية، من التأهل إلى المباراة النهائية لكاس الجزائر ومن اللقب الوطني، في تلك السنة وحتى في السنة التي تلتها، إلا ان جاءت صائفة عام 1982، حيث استغل زملاء محمد خلوفي، نشوة الفرح بالفوز التاريخي للمنتخب الوطني على المنتخب ألمانيا في مونديال أسبانيا ب2/1، لينتزع كاس الجمهورية من أيدي لاعبي النصرية بملعب 5 جويلية بهدفين لواحد، وهو التتويج الذي سمح لفريق الديناميكية من تمثيل الجزائر في منافسة كاس الكوؤس الإفريقية، حيث حقق نتائج باهرة، ولولا التحكيم الذي خذله في الدور ربع النهائي لفعلها في هذه المنافسة الذي شارك فيها لأول مرة.
رغم المحن والدسائس التي تعرض لها فريق الديناميكية، بعد تتويجه بكاس الجزائر عام 1982، إلا انه واصل على درب الكبار، ولم يشكل تأهله إلى المباراة النهائية لكاس الجزائر عام 1984 بالمفاجأة، لكن المفاجأة كانت بخسارته الكأس أمام مولودية وهران بملعب أول نوفمبر باتنة بمناسبة تدشين هذا الملعب، بهدفين لواحد بعد الوقت الإضافي.
1984… سوء التحكيم حرم الدينامكية من الكاس الثانية
يرى المتتبعون بشان تاريخ كاس الجزائر، ان خسارة فريق الدينامكية لنهائي كاس الجزائر عام 1984، كانت بفعل الانحياز الفاضح للحكم الرئيسي لفريق “الحمراوة”، باحتسابه لهدف التعادل لمراد مزيان في آخر دقيقة من عمر المباراة، وهو في وضعية تسلل واضحة، وهو الهدف الذي اثر على معنويات أشبال زملاء الحارس سعدود، سمح لفريق مولودية وهران من إضافة الهدف الثاني والانتصار في الوقت الإضافي، حرم لاعبي الدينامكية من تذوق حلاوة التتويج للمرة الثانية بكاس الجزائر، وهو الإخفاق الذي كان بمثابة ضربة خنجر في صدر الفريق.
الديناميكية بدون اللاعب رقم 12
حتى وان كان يفتقر هذا الفريق إلى اللاعب رقم 12، وهو الجمهور، كون الفريق كان ملكا لمؤسسة البناء، إلا أن ذلك لم يقلل من شان نادي الديناميكية، نظرا لأداء لاعبيه المميز، حيث كان يطلق عليه اسم برازيل الجزائر.
من لم يشاهد لاعبوا الديناميكية وهم يداعبون الكرة، أكيد انه لن يشاهد مستقبلا فريقا متكاملا، ومتجانسا، في جميع خطوطه الثلاثة، ورغم الداء والأعداء الذي تعرض له فريق الديناميكية على مدار السنوات التي كان يتحف بها الجمهور الرياضي الجزائري بلوحات فنية كروية جميلة، يصعب رسمها عباقرة اللعبة في الجيل الحالي، وهو ما جعل فريق الديناميكية يصل في النصف الأولى من عشرية الثمانينيات إلى أعلى هرم الكرة الجزائرية، حيث استطاع أن يقهر اعتى وأقوى النوادي الوطنية آنذاك، مما مكنه من ولوج إلى منصة التتويج بكاس الجزائر أمام ” العملاق” الذي كان لا يقهر آنذاك فريق النصرية، بفوزه بكاس الجزائر عام 1982، كما حرم عنوة من الوصول إلى معانقة الكأس للمرة الثانية عام 1984امام مولودية وهران.
1985… بداية الانهيار…
كما سبق الذكر منذ قليل، حرمان فريق الدينامكية عنوة مع سبق الإصرار والترصد من تذوق حلاوة للمرة الثانية في تاريخ النادي عام 1984 بعد تتويج عام 1982، شكل منعرجا حاسما في تاريخ الفريق، حيث نزل في تلك السنة إلى القسم الوطني الثاني، وهو النزول الذي زاد من محن الفريق، ومع مرور المواسم والتحولات السياسية والاقتصادية التي كانت تشهدها الجزائر مع بداية منتصف الثمانينيات، كانت رياح التغيير تصيب الديناميكية، أو فريق الهندسة كما كان يسمى في آخر مواسمه.
1989 … تسونامي السياسة اغتالت الديناميكية
مع نزول الفريق إلى القسم الجهوي، في موسم 87/88، بات جليا أن أيام هذا الفريق في الخارطة الكروية الجزائرية باتت جد معدودة، وهو ما حدث في صائفة عام 1989.
وبما أن الفريق ولد مع ميلاد الإصلاح الرياضي عام 1977، كان من البديهي أن يرحل والى الأبد من نهاية الإصلاح الرياضي عام 1989، بانسحاب المؤسسات الاقتصادية من تمويل الجمعيات الرياضية.
وبعد الإمضاء على شهادة وفاة فريق الدينامكية، انتهت نهائيا مسيرة فريق برازيل الجزائر … تلكم هي مسيرة فريق الدينامكية الذي يستحق أكثر من هذه الوقفة، لأنه قدم الكثير لكرة القدم الجزائرية، لكن مصيره كان كمصير سنمار.